[ إتفاق الإمارات و إسرائيل دعم أم خيانة ؟ ]
لماذا إختارت الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع إسرائيل؟
سؤال طرحه الجميع بعد إعلان البيت الأبيض عن التوصل لاتفاق إماراتي إسرائيلي بوساطة أمريكية من أجل تطبيع العلاقة رسميا بين البلدين. سؤال تعددت الأجوبة عنه.
الجواب الرسمي من الإمارات هو أن هذا الإتفاق جاء لحماية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، و منع إسرائيل من ضم أجزاء أخرى، و إحلال السلام في المنطقة 😇
هل هذا صحيح ؟
للاجابة عن هذا السؤال، سؤال سنحاول البحث عن المستفيدين من هذا الإتفاق و أيضا المتضررين 🙂
رحلتنا الأولى ستذهب بنا للعاصمة الأمريكية واشنطن، الثلاثاء 28 يناير 2020. بمناسبة حفل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لملف "صفقة القرن". و التي رفضتها غالبية الدول العربية و الإسلامية. لكن الملفت للانتباه هو حضور سفير دولة الإمارات في الحفل، برفقة سفير سلطنة عمان و البحرين. و يومها قال ترامب بالحرف الواحد : " عملهم الرائع الذي قاموا به وإرسال سفرائهم للاحتفال معنا اليوم" 🙃
بعد أشهر قليلة و بالضبط في شهر ماي، نشرت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية تقرير عن قبول دولة الإمارات إرسال طائرة لإجلاء مواطنين إسرائيليين عالقين في إحدى الدول العربية بسبب جائحة كوفيد 19, بعد أن رفضت هذه الأخيرة السماح بنزول طائرة إسرائيلية على أراضيها.
و بالفعل أرسلت الإمارات طائرة فخمة تابعة لأحد الأمراء لإجلاء هؤلاء المواطنين، اللذين قام بعضهم بنشر فيديوهات من داخل الطائرة و هم في غاية الدهشة و الانبهار.
قبل الإجابة على السؤال الرئيسي، هناك سؤال آخر. الجميع يعلم أن هناك دول عربية عديدة لديها علاقات سرية مع إسرائيل. فلماذا توجهت الإمارات لإعلان علاقتها مع إسرائيل جهرا ؟
هناك عدة أسباب، و هذه بعضها :
- توقيع إتفاقية بين دولة عربية بحجم الإمارات مع الكيان الإسرائيلي و برعاية أمريكية، هو هدية إنتخابية للرئيس الأمريكي، الذي هو في أمس الحاجة لأي إنتصار يتباها به و يستقطب به أكبر عدد من الناخبين.
ترامب فشل في توقيع إتفاق تاريخي مع كوريا الشمالية و نزع أسلحتها النووية. فشل أيضا في إجبار إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، و توقيع إتفاق جديد معها. ترامب أيضا فشل في إدارة ملف كوفيد 19, و في إحتواء المظاهرات المتضامنة مع السود. فشل أيضا في ملف سوريا، و ليبيا...
لذلك ف ترامب يحاول تضخيم الحدث، و نسبه لنفسه، حتى أنه أعرب عن رغبته في إطلاق إسمه على هذا الإتفاق 😁
- رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو " هو الآخر يعاني من تبعات قضايا الفساد التي تلاحقه. و هو يعلم أنه بمجرد إنتهاء ولايته الحالية سينتهي مساره السياسي، و هناك إحتمال كبير أن يدخل السجن. لذلك فهو يبحث عن صنع إنجازات تضمن له البقاء لأطول مدة في الحكم.
- الإمارات العربية عسكريا هي دولة ضعيفة، و هي من أكثر الدول التي تحتضن شركات الأمن الخاص ( المرتزقة )، و ليس لديها جيش يعتمد عليه.
الإمارات في الأصل كانت جزء من سلطنة عمان، و موقعها الجغرافي جعلها على مرمى حجر من أكبر أعدائها "إيران" التي تتهمها الإمارات بإحتلال جزر إماراتية و محاولة تصدير الثورة الاسلامية للداخل الإماراتي.
الإمارات أيضا لديها عدو آخر تحاربه بشدة، و هو الإسلام السياسي، الذي يرى فيه حكامها تهديدا لوجودهم.
لذلك و إنطلاقا من تصريحات رسمية لشخصيات إماراتية، فإن إسرائيل ليست هي العدو. و أن العدو هو إيران و تيارات الإسلام السياسى في العالم.
لذلك فتوقيع إتفاق علني مع إسرائيل، حتما سيتبعه إتفاقات عسكرية، بحيث تتحول إسرائيل للحامي المخلص الإمارات من جارتها إيران، و ذلك بعد تراجع الدعم الأمريكي لدول الخليج، الذين فقدوا الثقة في قدرة أمريكا على التدخل عسكريا لحمايتهم في حالة تعرضهم لعمل عسكري من طرف إيران.
و كأن الإمارات تقول لإيران، الآن عليك التفكير مرتين قبل الإقدام على أي عمل عسكري ضدي، فأنا تحت حماية إسرائيل رسميا.
بالنسبة الإمارات هناك سبب آخر و هو إقتصادي. في السنوات الأخيرة تلقى الإقتصاد الإماراتي ضربات موجعة، بسبب تراجع أسعار النفط، تراجع نمو سوق العقار، تراجع عائدات السياحة بسبب جائحة كوفيد 19, و أيضا تمويل الإمارات لنزاعات مسلحة في عدد كبير من الدول التي تحارب فيها الإسلام السياسي و ثورات الربيع العربي.
أيضا تراجعت الإستثمارات الخارجية في الإمارات بسبب تفشي الفساد المالي، و تراجع ثقة المستثمرين في النظام المالي الإماراتي. و توجت هذه الصورة في التقرير منظمة الشفافية الدولية الذي صدر قبل أسابيع و صنف الإمارات من أكبر مراكز الفساد المالي و غسيل الاموال. و فرض المنظمة رقابة لمدة سنة على الإمارات العربية.
و تطرق التقرير لعدة خروقات أبرزها في النظام المصرفي و العقار، بالاضافة إلى تهريب الذهب و غسيل الاموال.
هذه النوعية من التقارير تعتبر ورقة ضغط على الإمارات و تهدد إستقرارها المالي. لذلك فهي في أمس الحاجة لإسرائيل التي تتمتع بعلاقات قوية و تأثير كبير على كل المؤسسات المالية في العالم. و الشراكة معها هي طوق النجاة.
بعد هذه الجولة القصيرة، نعود للسؤال الرئيسي، هل فعلا الإتفاق الإماراتي مع إسرائيل جاء دفاعا و حماية لحقوق الفلسطينيين ؟
الجواب "لا" الأسباب التالية :
- ليس من مصلحة إسرائيل أن تضم رسميا بقية الأراضي الفلسطينية، لأن هذا سوف ينهي فكرة حل الدولتين، و هو الحل الذي يدعمه العالم منذ بداية الأزمة. و في حالة ما تم ضم جميع الأراضي الفلسطينية يسكون لزاما على إسرائيل ضم كل الفسلطسنيين الحاليين إلى شعب الدولة الجديدة، لأنها هي التي ختارت التخلي عن فصل الدولتين.
في حالت ما تم إدماج الفلسطينيين في الشعب الإسرائيلي فسوف يحظى الفلسطينيون بنفس حقوق الاسرائيليين ( التعليم، الصحة، السياسة... ) و مع الوقت يسحصل تغيير سكاني و عرقي، و مع السنوات و توالي الأجيال ستكون الأرض كلها للشعب جديد لا هو إسرائيلي و لا هو فلسطيني. و في حالة وصول هذا الجيل للسلطة، قد يتغير الوضع و ربما يتم تقيسم الأرض من جديد...
كل هذا و دون أن ننسى أن إلغاء حل الدولتين، سيجعل إسرائيل في موقف المعتدي و سيضع حلفاءها خاصة من العرب و الأوروبيين في موقف محرج، و يسدفهم ( مرغمين ) للتراجع عن دعم إسرائيل لأنها قضت على الحل الوحيد. أيضا هناك الكنغرس الأمريكي و اللوبيات الإسرائيلية في واشنطن التي رفضت الفكرة و حذرت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الإقدام على هذه الخطوة، خاصة أن هذه الأراضي هي أصلا اليوم تحت سيطرت الجيش الإسرائيلي، و ليست هناك حاجة لضمها رسميا.
و لهذا تخلت إسرائيل عن فكرة ضم هذه الأراضي لإسرائيل حتى قبل توقيعها هذا الإتفاق مع الإمارات 😁
- السبب الثاني هو أن الإمارات من أشد المعادين لحركة حماس و أيضا فتح لأنهم أقرب للاسلام السياسي، خاصة أنهم يتلقون الدعم من إيران و قطر. لذلك فهي تحاربهم، و آخر شيء تهتم به هو القضية الفلسطينية التي حاولت مرارا وضع حد لها، و كانت آخر محاولاتها هي صفقة القرن التي فشلت بسبب نقص الدعم.
من القادم على لائحة المطبعين؟
الأكيد أنها إحدى هذه الدول :
- البحرين ( و هي دولة تابعة، لا تملك القرار، لأنها أصلا تحت الحماية السعودية، الإماراتية، التي تحميها من التيار الشيعي الموالي لإيران )
- السعودية: هي الأقرب للتطبيع مع إسرائيل، خاصة أنها شريك للامارات و الولايات المتحدة الأمريكية، و لديها نفس العداء لإيران و للاسلام السياسي. و بالرغم من أنا لم ترحب رسميا بقرار الإمارات لكنها أيضا لم تندد به، و حاولت الترويج عبر قنواتها الإعلامية لفكرة أن هذا الإتفاق في صالح فلسطين، و هذا فيه جس نبض للشعب السعودي، لمعرفة مدى إستعداده لقبول التطبيع. و للمعلومات فالرحلات الجوية من إسرائيل إلى الإمارات ستمر لأول مرة من الأجواء السعودية.
- سلطنة عمان : أصلا لديها علاقات جيدة مع إسرائيل، لكنها إلى اليوم لم تمر لتطبيع علني.
- مصر : هي صديقة لإسرائيل منذ زمن بعيد، و لديهم إتفاقية سلام، تجاوزها السيسي إلى المشاركة في محاربة حركة حماس، و التضييق على قطاع غزة ببناء جدار فاصل بينهما. و كما قلت سابقا، السيسي محتاج للدعم و الإعتراف الخارجي. و بدون إعتراف أمريكي، فهو سيفقد شرعيته. لذلك فهو لا يستطيع الخروج عن الخط و التغريد خارج السرب الإماراتي، السعودي، الأمريكي.
الخطوة القادمة :
سبق لي و أن تحدثت عن البروباغاندا و بالضبط الاختراق الفكري. و هذا الأداة المفضلة لهذه الدول. الإمارات و السعودية، بصفتهما الأقرب لبقية الدول المتحدثة بالعربية و التي تدين بالإسلام، فهي الأكثر أمانا و نجاعة للترويج لفكرة التطبيع مع إسرائيل و تحويل القضية الفلسطينية لقضية هامشية، و نشر فكرة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم، و أنه على كل دولة أن تنظر لمصالحها، و أن مصلحتها مع إسرائيل و ليس فلسطين.
هذه الدول قامت منذ سنوات بشراء جرائد إلكترونية و إنشاء قنوات محلية في كل دولة، و جعلها منابر إعلامية تتحدث باللغة المحلية لكل دولة، لكنها تنشر أفكارهم و تروج لاهدافهم. و هذا بالطرق التالية :
- نشر مقالات تدعم تطبيع الإمارات مع إسرائيل، و تروج له على أنه لصالح الفلسطينيين، حتى أن بعض الجرائد نشرت الخبر مرفوق بصورة لفلسطينيين يحملون أعلام إماراتية و هم فرحون 😁
الجرائد الإلكترونية هي الأكثر إستعمالا لأنها تتلاعب بالتعليقات التي تؤثر على القارئ. و تتعمد نشر أكبر عدد من التعليقات الموالية لهذا الطرح على الصفحة الاولى، حتى يتخيل للقارئ أن الرافضين للتطبيع هم قلة قليلة. و هذه حرب نفسية، تدفع القارئ لتقبل الوضع.
- إنتاج أفلام و برامج باللغة العامية لكل دولة، و من تقديم و تمثيل شخصيات محلية ليتم خداع المشاهد. بعد ذلك يتم تمرير أفكار سامة تستهدف تغيير أفكار المشاهد.
- إستعمال الشيوخ للتبرير التعاون مع إسرائيل بإستعمال القرآن و الاحاديث النبوية، و أن الرسول الكريم شجع الناس على التعارف مع الشعوب. و أن الله سيجعل الخير في هذا الإتفاق و سيعود بالنفع على فلسطين، و كأنه إتفاق تنسحب بموجبه إسرائيل من الأراضي الفلسطينية و توقف بناء المستوطنات 😄
الخلاصة:
- بعيدا عن القضية الفلسطينية، من يظن أن إسرائيل تبحث عن السلام في الشرق الاوسط فهو واهم. لأن السلام يعني الإستقرار، يعني التقدم، التطور، التفوق و هذا ما لا تريده إسرائيل لجيرانها لأنه ضد أمنها القومي القائم على إضعاف جيرانها و التحكم في مصيرهم.
- الجهات التي تروج لأن التعاون مع إسرائيل هو تقديم للمصلحة الوطنية، و أن إسرائيل ستساعدهم على حل مشاكلهم. هم حالمون. فكما قلت في مقال سابق : الدولة التي تعتمد على الخارج لتحسين وضعها الداخلي و حل مشاكلها الخارجية فمصيرها الفشل، حتى لو قدمت لهم الغالي و النفيس. فالعالم تحكمه المصالح، و إسرائيل تبحث عن مصالحها، و حتى لو ساعدتهم اليوم، فغدا ستتخلى عنهم في أول فرصة. فهي تقف مع من يدفع أكثر 🙂 و بما أن إسرائيل هي إبنة أمريكا بالتبني، فهي تحتمل صفاتها و إستراتيجياتها. و كما حلبت أمريكا دول الخليج لعقود من الزمن و أذلتهم مقابل الحماية، و تخلت عنهم عندما إحتاجو لها، فكذلك ستفعل إسرائيل مع المطبعين من العرب و الزمن بيننا. فمن لا يستفيد من الماضي، لا مستقبل له.
يجب أيضا أن لا ننسى الفرق بين إتفاقية السلام و إتفاقية الاستسلام. و بما أن معظم الدول العربية اليوم هي ضعيفة و مقسمة و مشتتة. فأي إتفاقية ستوقعها مع إسرائيل ستكون من موقع ضعف، و ستخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى.
إلى اللقاء.
منقول من صفحة MBS على الفيسبوك