ما صحة قصة الإسراء والمعراج.
كثير ما نسمع أن هذه الواقعة كان يكذبها المشركين لمخالفتها للعقل.
كيف يُظَن أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السماء السابعة في ليلة واحدة!
وكثير ما نسمع من الملحدين مقولة: ( عرج النبي على حمار طائر ) ويسخرون من ذلك.
هل من دليل عقلي يثبت صحة وقوع هذه الواقعة بارك الله فيكم.
وقد شاهدت ردا لأحد منكري السنة، وقد قال إن هذه الواقعة خرافة لا يقبلها العقل.
فما الرد على هؤلاء؟
__
الجواب:
قد صحت واقعة الإسراء والمعراج حيث أسري وعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة حتى أمره الله بخمسين صلاة ثم أربعين إلى أن وصل إلى خمس صلوات بثواب خمسين صلاة في اليوم والليلة.
وهي من المعجزات الدالة على نبوته وقدره عند الله عز وجل.
1) ما الذي يدل من الوحي على صحة حادثة الإسراء والمعراج ؟
مما يدل من الوحي على صحة وقوع حادثة الإسراء والمعراج في الحقيقة لا المنام هو قوله تعالى:
سُبْحَانَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]
وقال تعالى:
وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ ١٣ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰۤ ١٥ إِذۡ یَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا یَغۡشَىٰ ١٦ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ١٧ لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَایَـٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰۤ ١٨﴾ [النجم ١٣-١٨]
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الله ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: وَأُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وغُفر لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ المُقحمات.
فقد جاءت النصوص الكثيرة في إثبات الواقعة.
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: فقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأنه عرج به من المسجد الأقصى حتى جاوز السماوات السبع. انتهى.
وقال ابن القيم: .... فمنها قصة المعراج وهي متواترة. انتهى
وقد جاءت حادثة الإسراء والمعراج في الصحيحين في عدة أبواب بل وقد جاء ذكرها في عامة كتب الحديث المعتبرة.
وعدَّ القسطلاني في المواهب اللدنِّيَّة ستَّة وعشرين صحابيًّا وصحابيَّة رَوَوْا حديث الإسراء والمعراج، لذا فهو حديث متواتر مع نصِّ القرآن عليه كما تبين.
2) لكن هل حادثة الإسراء والمعراج كانت بالروح فقط أم بالروح والجسد؟
قد اختلف العلماء في وقوع الإسراء والمعراج بالروح والجسد أم بالروح فقط، بمعنى هل كانت الحادثة في المنام أم كانت في اليقظة.
والذي عليه جمهور العلماء وما دلت عليه النصوص الصريحة أن المعجزة كانت بالروح والجسد.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (3/33) : " ثم اختلف الناس : هل كان الإسراء ببدنه عليه السلام وروحه ، أو بروحه فقط ؟ على قولين ، فالأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قبل ذلك مناماً ، ثم رآه بعد يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، والدليل على هذا قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الاسراء/ 1، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد ، وقال تعالى : ( أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) وقال تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ) الاسراء /60، قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، رواه البخاري [ 2888 ].
وقال تعالى :
( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم/17 ، والبصر من آلات الذات لا الروح .
وأيضاً فإنه حمل على البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، وإنما يكون هذا للبدن ، لا للروح لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه ، والله أعلم " انتهى .
وقال الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية : " والمعراج حق ، وقد أسري بالنبي وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ؛ فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى " انتهى
وقال الطبري: " ولا معنى لقول من قال: أُسْرِيَ بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل ".انتهى
فبالجملة فإن النصوص دلت دلالة قطعية على أن الواقعة حدثت بالروح والجسد وإلا فليس لاعتراض المشركين معنى وما كانوا اعترضوا أصلا.
3) لكن هل عروج النبي صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده في ليلة واحدة يخالف العقل؟
العقل لا يمنع من وقوع مثل هذا.
فإن الذي خلق السماوات والأرض وخلق المجرات والكواكب والنجوم وخلق القوانين الطبيعية التي يعمل بها الكون بأسره، فهو بالطبع قادر على أن يجعل بعض خلقه أصحاب قوة تقدرهم على الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، أو العروج به إلى السماء السابعة.
فكيف يُظن أن البشر قادرون على صناعة شيء يسافرون به في الليلة الواحدة من القارة إلى أخرى.
والذي خلقهم لا يقدر على ذلك! فهل يقول مثل هذا إلا من لا يفهم المسائل العقلية ولا يلحظ العلوم التجريبية!
فإن كان المخلوق قادرا على مثل هذا فإن الخالق يقدر من باب أولى.
لذا لا تجد أحدا من العقلاء حتى من ينكر النبوة لا تجده ينكر إمكان نزول ملك الوحي من السماء إلى الأرض في لحظة واحدة.
لأن العقل لا يحيل ذلك أصلا.
ومن أنكر ذلك من المشركين كان من أجهل الناس كما سنبينه.
4) لكن كيف نبين فساد اعتراض الملحد حسب أصوله ونبين أن الواقعة لا تخالف العقل؟
الملحد غالبا لا يعمل عقله في مثل هذه المباحث.
ويخالف أصوله كلها لكي ينشيء شبهة يبرر بها لنفسه إلحاده.
ونحن بدورنا سنبين إن شاء الله أن قول الملحد هنا يبين فساد منهجه، ونخرج من هذه الشبهة دليلا قطعيا على تهافت الإلحاد.
فيقال: إن أحكام العقل ثلاثة
الواجب، الممكن، المستحيل.
الواجب هو ما وجب وجوده واستحال عدم وجوده، كوجود الله وصفاته القديمة، وأيضا وجوب صحة الشيء عقلا كمبدأ السببية وما إلى ذلك.
والممكن هو ما أمكن وجوده وأمكن عدم وجوده.
كوجود الكون بكل ما فيه من مجرات، ووجود الإنسان و الحيوانات.. إلخ.
فهل يقول عاقل أن وجود البشر قبل أن يوجد البشر، كان مستحيلا عقلا ثم أصبح ممكنا عقلا؟!
الجواب لا.
والمستحيل عقلا هو ما وجب عدمه واستحال وجوده.
مثل اجتماع النقيضين.
ومن له خبره في مناظرة أهل الإلحاد يعلم أن أغلبهم يدعي بأنه لا يوجد مستحيلات عقلية، وكل شيء ممكن.
فكيف مع هذا القول السخيف يدعون استحالة حادثة الإسراء والمعراج ؟؟
وكذلك يقولون أن قوانين الطبيعة بل والطبيعة بكل ما فيها جاء صدفة من دون خالق مدبر عليم حكيم.
فكيف يعقل أن الصدفة تستطيع إيجاد كل هذا الكون بكل مافيه.
وهذا هو اعتقاد الملحد.
كيف يعتقد هذا
ثم يقول أن الرب العظيم القدير لو كان موجودا فهو لا يستطيع أن يخلق مخلوق يعرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة!
فإن هذا يدل على أن الملحد في قرارة نفسه يعلم أنه من المستحيل وجود كل هذا الخلق العظيم من دون خالق عظيم.
فإن كان الملحد يرفض المعراج من تقدير إله قادر عليم حكيم خلق كل شيء.
فهو اعتراف ضمني من الملحد في أنه يكذب عندما يقول أنه مصدق أن الكون بكل ما فيه جاء من دون خالق عليم حكيم متصف بالإرادة.
ثم يقال: إن العقل يقر بأن هذا ممكن عقلا.
فكما أن خلق الكون ممكن عقلا، وخلق الإنسان ممكن عقلا، وخلق طائرة تطير بالناس من مكان إلى مكان ممكن عقلا
فكذلك معراج النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل وهو من أعظم مخلوقات الله ممكن عقلا.
لذا لو قيل لنا الآن هل من الممكن بعد زمن ، أن يطير الإنسان من دون طائرة بواسطة جهاز ما.
فالعقل لا يمنع ذلك وإن كان لم يعتد عليه الناس.
ولو قال قائل من ألف سنة أن وجود هاتف يتكلم الناس به من قارة إلى قارة في لحظة واحدة.
لما قالوا أن هذا مستحيل عقلا، مع إقرارهم أنه من الصعب جدا وجوده.
فكيف يكون مستحيل عقلا ثم أنه موجود الآن!
فالمستحيل عقلا يستحيل وجوده مطلقا.
فالملحد يجعل الممكن مستحيل والمستحيل ممكن فقط ليخالف الدين، لذا يقال أن الحركة الإلحادية هي أعظم حركة مخالفة للعقل.
وهذا يدل على فسادها عند العقلاء.
ثم إن اللا_ديني يكثر جدا من مقولة أن النبي عرج إلى السماء عن طريق حمار طائر أو بغلة طائرة.
وهذا من جهله، فإن النبي الكريم أسري به بالبراق وقد ورد وصف البراق الذي ركبه النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين ، فروى البخاري (3207)، ومسلم (162)، واللفظ لمسلم، عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ ، طَوِيلٌ ، فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ ) .
وكان مع البراق جبريل عليه السلام.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرج بالبراق أصلا ، بل ربط البراق بمكان ما ثم عرج به جبريل عليه السلام.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ) ، ثم قال: ( فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ.
وإن كانت الطائرات قادرة على الطير بالخلق في وقت قصير فأن يقدر البراق الذي خلقه الله لتلك المهمة من باب أولى.
وجهل الملحد وقع في ظنه أن البراق هو من عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم.
بل عرج به جبريل عليه السلام
ففي رواية جاء قول النبي صلى الله عليه وسلم ( وعرج بي جبريل ) وجاء في أخرى ( وصعد جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم )
ومع هذا فقد جهل الملحد هذا.
هل تعلم لماذا ؟؟
لأن الملحد يتشدق بقصة لا سند لها وردت في إحدى الكتب أن هناك رجل صعد به حمار إلى السماء.
فظن الملحد أن النبي اقتبس هذا منه، رغم أن أقرب نسخة للكتاب الذي ذكر هذه الواقعة كان بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرون كثيرة.
ومع هذا فإن الذي عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل عليه السلام.
مما يدل على أن الملحد مقلد للشبهات ليس إلا ، ويحتاج إلى مدلس ملحد مشهور يفكر له.
وإلا فإن الروايات الإسلامية صريحة في خلاف تلك القصة التي يتحدثون عنها، مما اضطر الملحد أن يحرف الروايات لكي توافق تلك القصة التي يتشدقون بها.
نسأل الله السلامة.
5) وماذا عن منكر السنة الذي يدعي استحالة هذه الحادثة؟
نقول ما قاله ابن أبي العز الحنفي:
ولا يمتنع ذلك عقلا ، ولو جاز استبعاد صعود البشر لجاز استبعاد نزول الملائكة ؛ وذلك يؤدي إلى إنكار النبوة وهو كفر " انتهى من "شرح الطحاوية" (1/245
ويروى عن أبي بكر الصديق لما أخبرته قريش بقول النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أسري به وعرج به قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه بكرة وعشيا أو كما قال ".
فحقيقة قول منكر السنة أنه ينكر النبوة وليس السنة فقط.
والله المستعان.
6) لكن هل يوجد دليل يثبت صدق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعجزة؟
قد دلت أدلة كثيرة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة.
منها أنه كان مشهورا بالصادق الأمين ولا يعقل أن يكذب في خبر عظيم كهذا وهو لم يكذب قبلها قط.
ومنها أن الله عز وجل أيده في هذه الواقعة بما يثبت صدقه للناس.
عن جابر بن عبد الله، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلََىّ الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه».
ويدل على ذلك وأكثر منه ما رواه ابن كثير أن المعطم بن عدي استنكر الواقعة عند سماعه بها، فقال المطعم بن عدي: كل أمرك كان قبل اليوم، كان أمما غير قولك اليوم، أما أنا، فأشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، نصعد شهرا، ونحدر شهرا، تزعم أنك أتيته فى ليلة، واللات والعزى لا أصدقك، وما كان الذى تقول قط. وكان للمطعم بن عدي حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب، فهدمه وأقسم باللات والعزى لا يسقى قطرة أبدا، فقال أبو بكر: يا مطعم، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته، أنا أشهد أنه صادق، فقالوا: يا محمد، فصف لنا بيت المقدس، قال: "دخلت ليلا وخرجت منه ليلا". فأتاه جبريل بصورته فى جناحه، فجعل يقول: "باب منه كذا، فى موضوع كذا، وباب منه كذا، فى موضع كذا"، وأبو بكر يقول: صدقت، قالت نبعة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: "يا أبا بكر، إنى قد سميتك (الصديق) ".
فقد أخبره جبريل عليه السلام بكل ما عند بيت المقدس ، وصدقه الصديق.
والمشركين لم يتوقفوا عند ذلك.
فقَالُوا : يَا مُطْعِمُ ، دَعْنَا نَسْأَلْهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا ، فَقَالَ : " أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ ، وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ".
فَقَالُوا : هَذَا وَالإِلَهِ آيَةٌ ! قَالَ : " ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ ، فَنَفَرَتْ مِنِّي الإِبِلُ ، وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ ، عَلَيْهِ جَوَالِقُ مُحِيطٌ بِبَيَاضٍ ، لا أَدْرِي أَكُسِرَ الْبَعِيرُ أَمْ لا ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ " ، قَالُوا : هَذِهِ وَاللَّهِ آيَةٌ ! قَالَ : " ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ فِي التَّنْعِيمِ ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ ، وَهَاهِيَ ذِهِ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ " ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : سَاحِرٌ ! فَانْطَلَقُوا ، فَنَظَرُوا ، فَوَجَدُوا الأَمْرَ كَمَا قَالَ ، فَرَمَوْهُ بِالسَّحَرِ ، وَقَالُوا : صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ سورة الإسراء آية 60 ، قُلْتُ لأُمِّ هَانِئٍ : مَا الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَتِ : الَّذِينَ خُوِّفُوا ، فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا».
فهذا يدل على تأييد الله له بالحجة حتى عاند المشركين وقالوا عن هذا سحر!
وفي رواية البيهقي:
قلنا يا رسول الله: كيف أُسرى بك؟
قال: ... وفيه قال صلى الله عليه وسلم: إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيرًا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا يقدمهم جمل آدم (أسود) عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان.
فلما كان ذلك اليوم، أشرف الناس ينظرون حتى كان قريبًا من نصف النهار حتى أقبلت العير، يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه البيهقي وقال: إسناده صحيح.
فمن داخل الشبهة تبين صدق النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن عادة الملحد أنه يذكر الرواية ولا يذكر حجج النبي صلى الله عليه وسلم على قومه في هذه المعجزة العظيمة.
التصنيف :
مقالات
